المعالجة الاجتماعية للمشكلات الأسرية-الجزء 1

أستاذة | أميرة أحمد عبيد



المعالجة الاجتماعية للمشكلات الأسرية-الجزء 1

تطبيق شريعة الله فكراً وسلوكاً:

أنزل الله ـ عز وجل ـ شريعته السمحاء لتكون نورا تهتدي به الإنسانية في شتى مجالات حياتها ،ويتحقق من خلالها سبل الاستقرار والسعادة ،فكل طريق يضاء بنبراس الشريعة هو طريق خير وفلاح،وإذا ما خفت هذا الضياء تاهت البشرية في مسالك الكبد والمشقة.

فالتمسك بشرع الله وتطبيق حدوده هو سبيل الاستقرار في العلاقة الأسرية ،وقد يشتمل هذا التطبيق مرحلة ما قبل الزواج ،ومرحلة ما بعد الزواج.

تطبيق شريعة الله فكراً وسلوكاً في مرحلة ما قبل الزواج:

إن التطبيق السليم للأسس الإسلامية في تأسيس البيت المسلم وبناء دعائمه على القيم والمبادئ الإسلامية كفيل بتجنيب الأسرة العديد من المشكلات ؛على أن يتم ذلك من اللحظات الأولى لتكوين عش الزوجية،بالاختيار السليم،والتيسير في النكاح:

أ-الاختيار الزواجي السليم:

العلاقات الأسرية هي أكثر العلاقات الاجتماعية خصوصية وتماسك ،لذلك حرص التشريع على توفير شتى السبل الميسرة لبقائها واستقرارها ،وأول خطوات هذا السبل هي منح الحق في الاختيار لكلا الطرفين ،قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى ‏ ‏تُسْتَأْمَرَ ‏،‏وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا :يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ)) [محمد بن إسماعيل البخاري،صحيح البخاري، ط5 .بيروت:عالم الكتب.،1406هـ،.ج 7،كتاب النكاح،باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها،حديث رقم 69، ص30.]

وبذلك ترسي الشريعة الإسلامية أسس البيت المسلم المستقر من اللحظة الأولى التي يسعى فيها كل طرف من الزوجين للارتباط وبناء أسرة مسلمة ،فتحث كل طرف على الاختيار السليم المبني على مقومات ومعايير التي تكفل حصول كل طرف على شريك يتمتع بقدر مناسب من الأخلاق الإسلامية ،تجعله قادرًا على تحمل المسئولية وعلى احترام وتقدير الطرف الآخر وحفظ حقوقه ،وتكوين بيت مسلم مستقر ،وبناء علاقات أسرية متماسكة وموثقة بروح الحب والألفة ، فيصبح البيت المسلم محضناً صالحاً لصنع الأجيال المؤمنة، ويتم تقسيم هذه المعايير إلى :

– معايير ثابتة:حثت الشريعة على الأخذ بها ،ورغبت فيها ،وتشتمل على معيار الدين والخلق.

– معايير ملحقة: أعطت للفرد حق الأخذ بها دون تقديمها على المعايير الثابتة.

وسنتناول كل جانب بشيء من التفصيل:

المعايير الثابتة :

أول هذه المعايير هو معيار الدين والخلق ،وهما الترجمة السلوكية والفكرية لصلاح الإنسان وقدرته على البناء والتفاعل المتوازن وفق منهج الله القويم،

وبناء على ذلك كان الدين والخلق معياراً ثابتاً في الاختيار لكلا الزوجين ،قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [ سورة النور : آية 32]، ويتضح لنا المراد بالصلاح من ضوء الآية الكريمة في قوله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) [سورة التحريم :آية 5] ،يقول سيد قطب: “الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأمر الدين ،والإيمان الذي يعمر القلب ،وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل ،والقنوت وهو الطاعة القلبية ،والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية ،والاتجاه إلى الطاعة والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له ،والسياحة وهي التأمل والتدبر والتفكر في إبداع الله ،والسياحة بالقلب في ملكوته” [سيد قطب ،في ظلال القرآن ، بيروت:دار الشروق،1417هـ، مج6، ج 28،ص3616.] ،وهكذا فإنه من المفترض أن تشكل هذه الصفات انعكاساً أخلاقياً على الفرد الملتزم بها، فتلقي بضوئها على سلوكياته وعلاقاته بالآخرين.

وقد رغّبت السنة المطهرة في اختيار الزوجة صاحبـة الدين وتقديمها على من سواها ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:(‏تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا ،فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ ‏ ‏تَرِبَتْ يَدَاكَ)[ محمد بن إسماعيل البخاري،صحيح البخاري،ج7، كتاب النكاح ، باب الأكفاء في الدين ، حديث رقم 28، ص12.] ،يقول ابن حجر في شرح الحديث:” والمعنى أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه و سلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية” [ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري،ج9، بيروت:دار المعرفة للطباعة والنشر ،(د.ت)، حديث رقم 5090، ص 50. ] ،وبصلاح الزوجة يتحقق السكن المقصود ، ومن مظاهر السكن أن تكون الزوجة صاحبة فطرة سليمة وخلق سوي ، تألف وتؤلف، وتساعد على تكوين بيئة المودة والرحمة .