حوار مع مجلة الدعوة بخصوص العمل المؤسسي

العمل الدعوي المؤسسي النسائي



حوار مع مجلة الدعوة بخصوص العمل المؤسسي

 

العمل من خلال مؤسسة منظمة في أي جهة دعوية أصبح أمرًا ضروريًا لاسيما بعد أتساع المساحة التي تخدمها تلك الجهة الدعوية، ولكي تكون الفعالية أكثر ولترشيد الإنفاق الدعوي واختصاراً للجهد والمال والزمن، وغير ذلك أصبح طرح هذا الموضوع ضرورياً، وهذا ما سنتعرف عليه من خلال اللقاء التالي مع الداعية أسماء الرويشد المديرة العامة للفرع النسائي بالمؤسسة العالمية للإعمار والمشرفة على موقع آسية الإلكتروني ومركز آسية للاستشارات التربوية والأسرية.

س1: هل بالإمكان أن نعرف ما هو العمل المؤسسي؟

في البداية أشكر مجلة الدعوة على جهودها واهتماماتها الدعوية بما يحقق أهداف رسالتها السامية وإيصالها إلى جمهور القراء الكرام.

أما من حيث تعريف ومفهوم العمل المؤسسي فهو التجمع المنظم بلوائح يوزع العمل فيه على إدارات متخصصة ولجان وفرق عمل، بحيث تكون مرجعية القرارات فيه لمجلس الإدارة أو الإدارات في دائرة اختصاصها، أي أنها تنبثق من مبدأ الشورى الذي هو أهم مبدأ في العمل المؤسسي.

س 2:ما هي أهمية العمل الدعوي المؤسسي النسائي؟

من المسلمات التي نعيشها في هذا العصر أن الإسلام يحارب والمحن تتوالى، وأن العقبات تكبر والتحديات تزداد ، فتضاعفت بذلك أعباء الموجهة على المسلمين، ومن المؤكد أن أهم وأقوى جبهات المواجهة والصد في الوقت الراهن هي جبهة الدعوة إلى دين الله الصحيح ، وتعزيز الأصول والمبادئ والقناعات لدى المسلمين. فأصبح لابد من مراجعة أساليب العمل الدعوى اليوم ، وقد تبين من خلال رصد الواقع والتجارب أن أنجح وأقوى أسلوب للعمل الدعوى يتمثل في تحقيق منهجيه العمل المؤسسي في تفعيل قضايا الدعوة العامة والخاصة، ومما تشتد الحاجة إليه الآن مقابل تيار التأثير المعادي الذي يعمل على صد المرأة عن دينها وتأصيل التمرد على شرع الله في نفوس الأجيال، إقامة مؤسسات دعوية نسائية متخصصة تعتني بكل الجوانب المهمة في حياة المرأة المسلمة وتعالج قضاياها المعاصرة بجهود جماعية منظمة ومتخصصة علمياً وتربوياً وثقافياً وإدارياً يساهم مساهمة فاعله في توفير الحصانة الفكرية والعقدية في البناء التربوي الإيماني للمرأة وتوفير المحاضن التربوية التي تعد المرأة الصالحة الواعية لمهامها والمتفاعلة مع مسؤولياتها.

لا ننكر بأن هناك جهوداً دعوية نسائية مبذولة على صعيد الساحة، ولكنها في الغالب لا تزال تتسم بطابع الفردية بما يترتب عليه من ضعف ونقص وإخفاقات في مقابل ضخامة المهمة واتساع رقعتها مع قوة تحدي التأثير المناوئ. فلابد الآن من تعزيز القناعة بأهمية أسلوب العمل المؤسسي للدعوة النسائية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بالأمة، مع محاولة لتأصيل مبدأ العمل الجماعي، الذي هو غاية مقصودة شرعاً، مع لفت الانتباه إلى أهمية تحقيق التوازن بين الجهد الفردي والمبدأ الجماعي، فلا يفهم من ذلك أننا نلغي الجهد الفردي ونهضم إنتاجه ونهمش دوره. حيث أننا نجد عناصر منتجه في المستوى الفردي أكثر مما نجدها ضمن أولئك الذين يجيدون العمل المؤسسي، وكثيراً من الأعمال التي توصف بأنها ناجحة في الميدان وراءها أفراد، ولكننا نريد صياغة القدرات الفردية في إطار العمل الجماعي المنظم الذي يثمر التعاون بين أفراده فيزداد التفاعل ويحسن الأداء وتتكامل الجهود، إذ الكمال في عمل الفرد عزيز فلابد أن يعتريه الضعف البشري، بينما المشاركة الجماعية تقلل من ذلك وتلغيه، فالجماعة قادرة على تحقيق التكامل باجتماع الجهود، والمواهب والخبرات والتجارب والعلوم مع التزام الشورى والتجرد للحق، ومن أهمية العمل المؤسسي أنه يتحقق فيه مبدأ التعاون الجماعي ،الذي هو أحد مقاصد الشريعة { ْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى } ، وفي الحديث (إن يد الله مع الجماعة) رواه الترمذي (إن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) متفق عليه ، فجوهر الجماعة هو التعاون بين المسلمين والتكامل بين نشاطاتهم في طريق التمكين لشريعة الله .

س3:ما هي مزايا العمل المؤسسي :

نحن نريد لأعمالنا أن تستمر وتنمو وتنجح، والعمل الفردي يرتبط بذات الشخص، بوجوده وعطائه ونشاطه وعلاقاته، كم من عمل ناجح نما وصعد إلى القمة، لكن بوفاة صاحبه أو غيابه انهار واختفى، وكذلك من ناحية الإنتاج فالتجارب الكثيرة تؤكد أن العمل الذي يبنى بناء مؤسسياً ينتج أضعاف العمل الذي يبنى بناء فردياً، أيضاً نحن نريد لأعمالنا أن تنطلق من العفوية إلى التخطيط فكلما كان العمل مبنياً بناءً مؤسسياً كلما كان المجال لتثبيت أركانه بخطة واضحة تنفذ بإتقان، بينما العمل الفردي في الغالب تظهر فيه العفوية والمزاجية والارتجالية وكلها أفات في طريق نجاح العمل واستمراره، فالعمل المؤسسي يوضح الأهداف وينظم العمل، لأنه يجبر على إيجاد التخصصات، وبالتالي يجبر العاملين على الوضوح وتحمل المسؤولية، نحن نريد أن تتحول مشاريعنا من المحدودية إلى الانتشار، كل تلك الأهداف والمزايا نجدها في العمل المؤسسي.

وهناك مميزات أخرى ممكن أن نجملها في النقاط التالية:-

  1. تأسيس الأعمال المشتركة بين الداعيات، بإقامة الدورات والندوات المنضبطة بنظام العمل المؤسسي.
  2. توظيف كافة الجهود البشرية والاستفادة من شتى القدرات الإنتاجية، وتسخيرها في العمل الدعوي والخيري، وذلك لأن العمل المؤسسي يوفر لها جو الابتكار والتفكير والإبداع والإسهام في صنع القرار، ويكثر سواد العاملين في خدمة الدين.

وعندنا مثال واقعي مطبق في مركز آسية للاستشارات التربوية والأسرية حيث استثمرت جهود وطاقات العديد من ذوات التخصص الاجتماعي والنفسي والتربوي في تقديم المشورة وإقامة الدورات التي تسهم في رفع مستوى المرأة الفكري والاجتماعي وحل مشاكلها النفسية والأسرية.

  1. ضمان استمرارية العمل – بإذن الله تعالى – لعدم توقفه على فرد يعتريه أسباب الانقطاع من موت أو مرض أو فتور أو غير ذلك.
  2. عموم نفعه للمسلمين لأن العمل المؤسسي يثمر إنجازات ضخمة يعم نفعها ويتعدى إلى جهات بعيدة لا تتأتى عن طريق الجهد الفردي. ومن ذلك مثلاً أن الصدقة الجارية والعمل الصالح الجاري على العبد لا يكون ثوابه بالمال فقط وإنما بالفكر والجهد والدلالة والمشاركة في تأسيس أي خير أو التسبب في إيصاله إلى الناس.. {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. وممكن أن اذكر في هذا المقام عن تجربتنا الناجحة ولله الحمد في إنشاء موقع آسية الإلكتروني على إستراتيجية العمل المؤسسي لاستثمار هذا العمل في إيصال رسالة الإسلام إلى العالم كله، لأن الدعوة المعاصرة تحتاج إلى تقنيات ووسائل حديثة تقوم على جهود مؤسسية لضمان استمرارها وعموم نفعها.
  3. الاستفادة من الجهود السابقة، وتبادل الخبرات في إمكانية وسهولة التعاون والتنسيق بين المؤسسات والهيئات النسائية، لتجنب تكرار العمل وتعارضه وتلافياً للبدايات من الصفر.
  4. نقل من محدودية الموارد المالية إلى تنوعها واتساعها فتتعدد قنوات الإيرادات ويعرف المحسنين طريقهم إلى العمل الخيري والدعوي عن طريق رسميه المؤسسة ومشروعيتها.
  5. ومن مزايا العمل المؤسسي أنه يعطي النشاط والمشروع صفة الشرعية والنظامية إذ يمكن تقديم الأنشطة والبرامج باسم المؤسسة فيفتح أمامه كثيراً من الميادين ويسهل سياسة الانتشار.

س4:عمل بهذه المزايا، وتلك الأهمية، ما الذي حدا بالعاملين والعاملات في أرض الدعوة وميادين الخير إلى الإحجام عنه ؟

يجاب عن ذلك بأن الأمر له خلفيات وأسباب منها:

  • غياب ثقافة العمل المؤسسي وعدم استيعاب أهميته ومزاياه وحداثة نشاط المؤسسات الدعوية المعاصرة وخاصة النسائية .
  • التركيز على الكم دون الكيف ، فأمام الحاجة إلى انتشار الدعوة وكثرة القضايا مع قلة الطاقات الدعوية المؤهلة، حدا بكثير من الداعيات إلى التركيز على الكم دون الكيف، والرغبة في الإنجاز السريع إذ من طبيعة العمل المؤسسي تقنين الإنتاجية وفق مراحل، مما يميز العمل المؤسسي بالقدرة على الموازنة بين الكم والكيف.
  • الاهتمام بآنية التأثير وردود أفعال الجمهور دون الاعتناء بالتأصيل والتأسيس الذي يتسم بطول المدى وبعد الأثر.
  • طبيعة الجدية والالتزام في العمل المؤسسي. تجعل القليل من الناس يتحمل عبء العمل المؤسسي.
  • الأنفة من الانطواء تحت قيادة معينة وهذا عائق من جملة عوائق نفسية قد تكون سبب عزوف البعض عن الانضمام إلى التنظيم المؤسسي.
  • مراعاة المصالح الشخصية وإعطاء الفضل من الجهد والوقت. فالبعض يشارك في العمل المؤسسي الدعوي وهو لم يستوعب أهداف ومنطلقات هذه المهمة، فلا يزلن يفكر بطريقة فردية فإذا نظر راعى مصالحه وإن أعطى الفضل من جهده ووقته.
  • انعدام الشورى وظهور المركزية في اتخاذ القرار في بعض المؤسسات، مما يولد الشعور بالإلزام والتقييد الغير مقنع وكذلك يولد الشعور بالتهميش والتحقير لدى أفراد المؤسسة.

س5:ما هي مقومات نجاح العمل المؤسسي:

  • أهم مقومات نجاح عمل المسلم إخلاص النية، وصدق التوكل:فإخلاص النية واحتساب الأجر هما اللبنة الأولى في نجاح أي عمل من الأعمال الصالحة. وأي عمل أعظم من العطاء لهذا الدين والدعوة إلى الله العزيز الكريم؟ فالإخلاص هو الذي يترتب عليه ثمرات العمل المباركة والممتدة، ولابد من قوة الأمل والثقة بالله تعالى بالتوفيق والنجاح لأن ذلك كله من عند الله {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} ،وهذا اليقين بالنجاح نابع من اليقين بقوله تعالى {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} ومع ذلك إذا لم ننجح هنا فالأجر ثابت بإذن الله في الآخرة. {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}.
  • توفر القناعة بالعمل المؤسسي:بإدراك ضرورته، وخاصة في زمن القوة والتحديات، ومعرفة مزاياه وثمراته وفهم مقومات نجاحه.
  • إشاعة لغة الحوار:حتى تتلاحق الآراء للخروج بأفضل قرار فلابد من الانفتاح والنصح، والحذر من عقلية التفكير الفردي المنغلق. ويذكر هنا بالمناسبة: نزول النبي صلى الله عليه وسلم على رأي أصحابه في أحد، وخروجه من المدينة تلبية لرغبتهم، مع ميله للبقاء في المدينة، وتأكيد رؤياه لرأيه، وبعدما انتهى الأمر لم يصدر منه لوم لمن كان رأيهم الخروج.
  • تحديد ثوابت ومنطلقات مشتركة للعاملين في المؤسسة تكون إطاراً مرجعياً لهم، وتشكل الضوابط الدينية المنهجية وأصول أهل السنة والجماعة أهم هذه القواعد والأسس.
  • التسامي عن الخلافات الشخصية، وتقديم مصلحة العمل على المصلحة الشخصية، وهذا يتم بالاعتناء بالجانب الخلقي السلوكي الذي حث عليه ديننا الحنيف من العدل والإنصاف والصبر والإعذار للآخرين والنصح لهم ، وهذا أساس قوي ومتين في نجاح العمل.
  • الإيجابية في التفكير، والتفاؤل بأن كل مشكلة بإذن الله لها حل، والإقدام المدروس وعدم التردد.
  • البعد عن المركزية بحيث لا يكون القائد والمدير هو المنفرد بتصدير القرار بل إن القائد يستمد صلاحياته من المجلس لا العكس.
  • تحديد الأهداف– إتقان الخطط- مبادرة التنفيذ- استمرارية المتابعة، ولنتذكر دائماً أن أساس النجاح في المشاريع والأنشطة بعد توفيق الله، هو إحكام السير على أضلاع مثلث الإنتاج ( التخطيط – التنفيذ- المتابعة ) مع مراعاة:

الأنــاة في التخطيط، والحماس في التنفيذ ، والاستمرار في المتابعة.

وفي الختام لنا أمل أن يكون هذا الطرح دعوة لتنظيم منسق مع ذوي الخبرات والاختصاص لدراسة وعرض مفردات العمل المؤسسي وعناصر بناءه ومقوماته الأساسية وإستراتيجية التأثير به على الأوساط النسائية.

س6:هل تقترحين آلية معينة لمتابعة العمل الدعوي المؤسسي النسائي؟

من أخطر ما يفت في عضد العمل الدعوي المؤسسي عموماً والنسائي بشكل خاص، الرتابة في العمل والفتور في تنفيذ الخطط والتواني عن متابعتها، حيث أنه لا يقف الأمر على إعداد الخطط وتكثيف الأنشطة فحسب، بل لا بد من إيجاد آلية عمل منظمة ترسم من خلال جداول زمانية وتقارير ميدانية، ومن ثم إقامة لجان متخصصة في المتابعة والتقييم لأداء العمل والعاملين في المؤسسة، مع تفعيل بنود ضوابط العمل وشروطه وبنود المكافآت والحوافز، ومحاولة معالجة المشاكل الصغيرة قبل توسعها واستفحالها وخاصة تلك الآفات التي كثيراً ما تنتشر بين العاملين في حقل المؤسسات الدعوية، والتي يتولد منها البغضاء والتنازع فيما بينهم، والله جل وعلا يحذر منها ويبين أنها هي سبب الضعف والفشل { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وبذلك تسلم المؤسسة من أسباب الضعف والفشل وتسير نحو أفاق الإنتاج والتطوير والإبداع .