حفظ اللسان في الفتن

عند الفتن يكون للسان خطر كبير في التورط فيها



حفظ اللسان في الفتن

 

عندما يمر بالناس تيارات الفتن فإنهم يكونون بأمس الحاجة إلى تطبیق منھج (التواصي بالحق والتواصي بالصبر)، وهذا المعنى يتجلى أيضا في قوله تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنین)..

وعند الفتن يكون للسان أثر خطير في إذكاء نارها والتورط فيها..

فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : ” امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ “. [حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح]

فعلى كل من أراد السلامة وحسن العاقبة أن يحفظ لسانه في الفتن ولا يتخوض فيما يقال، ويسكن ولا ينشط فيها، وذلك هو سبيل النجاة، كما بين حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه .

ولعل هذا يوضح معنى قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: ( إنما الفتنة باللسان وليست الفتنة باليد ) [رواه الداني في السنن الواردة في الفتن]

وهنا ينبغي التنبيه إلى أن المشاركة بالكتابة والإرسال في شبكات التواصل الاجتماعي، تقع موقع التلفظ بالكلام، مع اختلاف الوسيلة، والإنسان يتحمل مسؤولية الرسالة كتبها هو أو نقلها عن غيره، وقد قيل (القلم أحد اللسانين).

فلا فرق بين من يتكلم باللسان وبين من ينقل بالإرسال.

قال تعالى :﴿إِذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقولونَ بِأَفواهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظيمٌ﴾ [النور: ١٥]

 

والأسلم وقت الفتن أن يلزم الانسان خاصة نفسه، وأن يتجنب ما ليس من شأنه، وليسأل  الله العافية، ويشتغل بما يهمه

إذ أن كثرة النظر والمتابعة والاستخبار، يحزن القلب ويشتت الفكر ويوهن النفس عن العمل، ولربما جر إلى تبني فكرا ضالاً أو رأياً منحرفا عن الصواب.

فتتبع أخبار الفتن هو أول طريق التورط فيها، وينبغي التنبه إلى أن أخبار الفتن لها جاذبية يدفع إليها الفضول، ولذلك كان السلف يجتهدون في صم آذانهم عنها، فيحفظون سمعهم من التلقي لها كما يحفظون ألسنتهم من التكلم فيها، مع أنهم كانوا ذوو إيمان وعلم راسخ، روى ابن سعد (7/143) بسند جيد أنَّ مطرف بن عبد الله الشخير -رضي الله عنه- قال: ( لبثت في فتنة ابن الزبير تسعاً أو سبعاً ما أخبرت فيها بخبر ولا استخبرت فيها عن خبر ).

والسِّرُّ في ذلك لأن لكل مخبر رأي في الخبر، فلربما استفزه إلى رأيه والتحرك معه، ومن تحرك مع الفتن أصابه من شررها، إن لم ينغمس في نارها، لذلك ينصح بعدم الاستشراف للفتن، والتأني والسكون مطلوبان في أحداثها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله علیھ وسلم “ستكونُ فِتَنٌ ، القاعِدُ فيها خيرٌ مِنَ القائِمِ ، والقائمُ فيها خيرٌ منَ الماشي ، والماشي فيها خيرٌ من الساعي ، ومَنْ يُشْرِفْ لها تَسْتَشْرِفْهُ ، ومَنْ وجد مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ”.[البخاري]

 

ولذا قيل: إذا كنت من أهل الفِطن، فلا تدُر حول الفتن.

 

وقد حذرنا الله تعالى من حال المنافقين في وقت الفتن، كما حذر من السماع لهم، فقال تعالى : ﴿وَإِذا جاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذاعوا بِهِ وَلَو رَدّوهُ إِلَى الرَّسولِ وَإِلى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُم وَلَولا فَضلُ اللَّهِ عَلَيكُم وَرَحمَتُهُ لَاتَّبَعتُمُ الشَّيطانَ إِلّا قَليلًا﴾ [النساء: ٨٣]

وقال في السماع لهم: { يَبغونكم الفتنة وفيكم سـَمَّاعون لهم }(التوبة:47).

 

وقد بين الله تعالى لنا أن كثيراً من كلام الناس لا خير فيه، واستثنى أصنافا ثلاثة، فقال تعالى: (﴿لا خَيرَ في كَثيرٍ مِن نَجواهُم إِلّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعروفٍ أَو إِصلاحٍ بَينَ النّاسِ وَمَن يَفعَل ذلِكَ ابتِغاءَ مَرضاتِ اللَّهِ فَسَوفَ نُؤتيهِ أَجرًا عَظيمًا﴾ [النساء: ١١٤].

فعلى كل عاقل أن يتبين كلامه على نور هذه الآية، وأن يوجه الناس نحو ما يفيدهم في دينهم ودنياهم وما ينفع الآخرين، وأن يدع التخوض فيما لا ينفع

 وهاهنا نصيحة تستمد نورها من مشكاة النبوة، فقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (ذر ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن دراهمك).

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأرنا  اللهم الحق حقا وارزقنا اتباعه وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه..

 

د.أسماء بنت راشد الرويشد

رئيسة مجلس إدارة شركة آسية الوقفية 

الأربعاء: ٧ محرم ١٤٣٩