العلاقة مع الآباء



 

إن العلاقة الصحيحة المتوازنة لا تكون من طرف واحد فقط، وقد كتبت مقالًا يسبق هذا المقال بعنوان “العلاقة مع الأبناء”  وتحدثت فيه عن السمو بهذه العلاقة العظيمة (علاقة الوالدين مع أبنائهم)، أما اليوم فأكتب لكم عن العلاقة ذاتها لكنها من جانب علاقة الأبناء مع آبائهم.
اعتدنا في علاقاتنا مع الناس أن يكون التعامل معهم بالمثل: فنحسن لهم إن هم أحسنوا إلينا، ونعرض عنهم إن هم أساؤوا لنا، هذا في معظم أحوالنا، لكن الإحسان إلى الوالدين عبادة لا تخضع للمقايضة أبدًا!
قال القرطبي (1): “قال العلماء: فأحقُّ النَّاس بعد الخالق المنَّان بالشُّكر والإحْسَان والتزام البرِّ والطَّاعة له والإذعان مَن قرن الله الإحْسَان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان، فقال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ١٤﴾” (2)
و قال الرَّازي(3): “أجمع أكثر العلماء على أنَّه يجب تعظيم الوالدين والإحْسَان إليهما إحسانًا غير مقيَّد بكونهما مؤمنين؛ لقوله تعالى:﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ٨٣﴾” (4)
فالإحسان للوالدين مطلق سواء كانا مسلمين أو كافرين، والطاعة لهما فرض عين، إلا إن أمرا بمعصية ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ٨﴾ (5)
فالطاعة أمر رباني، وامتثالها عبادة يؤجر عليها الابن أعظم الأجر، ويوزر إن عصاهما، وكون الطاعة لهما ليست بالمثل؛ فهذا يتسبب في بعض المشكلات عند الأبناء، وأقول لكل ابن: عسر طبعك لا يبرر لك القسوة عليهما والغلظة في معاملتهما، بصرف النظر عن السؤال الذي يطرق خاطرك كثيرًا: هل أدى والداي حقوقي نحوهما كما يجب؟!
وأقول أيضًا: عسر طبعهما لا يبرر لك التعقيد في الموضوع أكثر وجعله شائكًا مع سد السبل للوصول لنقطة التقاء أو مصالحة!

أتفهم جيِّدًا وجود مفارقات كبيرة بين الوالدين والأبناء أحيانًا، لكنهما في نهاية الأمر “جنَّتك”، وعليك أن تدرك جيدًا أنَّ والديك مهما بدَرَ منهما من إساءة؛ فإنهما يريدان مصلحتك ليس إلا!
ودونك أيها القارئ النجيب بعضًا من أساليب التعامل مع الوالدين، خذها بقوة، وطبقها، وسترى أثرها عليك وعلى والديك.

كيفية التعامل مع الوالدين: (6)

  • الاهتمام والاعتناء بهما؛ فهو يولد رضاهما عليك، ويقرب علاقتهما بك.
  • شارك والديك في جميع أمورك، واطلب منهما المشورة، واسعَ فيما يرضيهما؛ فهذا يدخل السرور على قلبيهما، كما يشعرهما بتقديرك لهما.
  • لابد أن تنتبه عند معاملة الوالدين أن تكون المعاملة بالحسنى، مع عدم إلقاء الأوامر عليهما ، أو النظر إليهما بشكل غير لائق.
  • اجعلهما صديقان لك، فهما الوحيدان القادران على فهمك واحتوائك في الوقت ذاته.
  • اكسب مودة والديك بعمل مفاجآت لهما بمناسبة أو بدون مناسبة؛ فهذا فعل يدخل السرور على قلبيهما.
  • افهم طبيعة اختلافهما معك ورفضهما لبعض قراراتك؛ بسبب تفاوت العمر بينكم، واختلاف نظرتهما لمستقبلك.
  • عندما يتحدث إليك والديك إياك والانشغال بشيء آخر كالنظر إلى هاتفك، أو مشاهدة التلفاز، إذ لابد عليك أن تصغي لهما بكل جوارحك، وتشاركهما الحديث بأدب وعدم مقاطعة.
  • الله سبحانه وتعالى اختص الوالدين بمعاملة خاصة فلا تنهرهما، ولا تقل لهما أُف، وتعامل معهما بالرفق دائما وادعُ الله لهما.”

الحياة طويلة عريضة، وأفضال والديك عليك لا تعد ولا تحصى..

إن كنت محسنا فيما قبل فواصل إحسانك.. وإن كنت غير ذلك فالوقت لا يزال متاحا أمامك. متّعك الله برضاهما عليك، وحفظهما لك..

 

بقلم أ.حصة بنت عبدالله السعيدان

 

[1])) الجامع لأحكام القرآن (5/183)

[2])) [لقمان: 14]

[3])) فيض القدير للمناوي (3/259)

[4])) [البقرة: 83]

[5])) [العنكبوت: 8]

([6]) الإبداع في تربية الأولاد لـ د. توفيق الواعي [بتصرف]