(الوطنية) بين الأوفياء و الأدعياء



الوطنية ..  بين الأوفياء والأدعياء

“الوطن” كلمة لها إيحاؤها ومكانتها في النفوس، لأن الوطن محل ينشأ فيه الإنسان ويترعرع، ويقضي فيه أيام حياته متنعماً بخيراته ومتمتعاً بمقدراته، فيحبه ويحن إليه، ولا يختلف في ذلك الناس، فحب الوطن أمر طبيعي فطر عليه الإنسان، والإسلام الذي هو دين الفطرة، راعى مشاعر الإنسان الغريزية وعواطفه الفطرية في إطار معتدل مهذب لا إفراط ولا تفريط و لا غلو ولا تقصير ولا  يطغى فيه جانب على جانب آخر. 

فالوطنية هي شعور فطري بالانتماء للوطن، والذي يظهر بحبه والحنين إليه والحفاظ على استقراره والدفاع عنه والمساهمة في تحقيق الخير له والمشاركة في نمائه. 

ويخطئ من يعتقد أن هناك تعارض بين حب الوطن والدين ، بل من نظر إلى نصوص الكتاب والسنة لم يشك أن الشريعة راعت هذا الجانب الفطري في الإنسان، وتعلقه بوطنه الذي نشأ فيه ومحبته له، بل جعلت من صور الجهاد في سبيل الله الدفاع عن الوطن الذي يقيم فيه إذا دخله عدو واستباحه، فيجب الدفاع عنه ولا يجوز له الفرار منه . 

فالوطنية لا تتعارض مع ديننا الحنيف، شريطة أن لا يتنافى هذا الانتماء الوطني مع أصول الإسلام وشرائعه، ولا يكون مدعاة للعنصرية والتعصب المذموم، وأن لا تتخذ دعوى الوطنية مبرراً للعمل بما يخالف تعاليم الدين، بل إن ذلك في الحقيقة ينافي الوطنية الحقة، ويتسبب بإلحاق الضرر والفساد بالوطن بطريقة مباشر أو غير مباشرة، يقول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (16) سورة الإسراء

وهناك اتهام باطل من بين اتهامات كثيرة توجه للمسلم الملتزم بدينه، وهو عدم حبه للوطن والوفاء له.

وهذا افتراء لا يمت للواقع بصلة، بل كما ذكرنا سابقا أن حب الوطن أمر فطري غريزي، والدين يقر هذا الحب بل ويعززه في كثير من الأحيان بالدعوة إلى الدفاع عنه والارتباط به. 

ولكن لعل هذه التهمة ظهرت مع التشويش والتشويه المقصود، من فئة لا تزال تعادي أهل الدعوة والصلاح، من العلمانيين وغيرهم من أصناف المنافقين، ممن يتشدقون بالوطنية ويتلمعون بها، مع أن الوطنية ليست بالتمني و الادعاء، ولكنها شعور صادق بالانتماء للوطن الذي يظهر من خلال المشاركة في البناء والإصلاح، والقيام بواجب النصيحة، والعمل على تعزيز أسباب أمنه واستقراره ووحدته واجتماع كلمته، والالتفاف حول ولاة أمره، والسمع والطاعة لهم بالمعروف، والقيام بما أمرهم الله به، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (41) سورة الحـج.

والأرض المخصوصة المقصودة في هذه الآية هي ( الوطن ) الذي مكن الله فيه لقوم آمنوا به وتعاونوا على تطبيق شرعه.

ويبقى السؤال المهم: متى يتحقق للوطن التمكين والأمن والاستقرار ؟

استمعوا إلى الإجابة في هذه الآيات:

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } (55) سورة النــور.

 

فيكون خلاصة القول في شعار المواطنة الحقة:

(لا للفساد والافتراق.. نعم للإصلاح والاجتماع).

 

د .أسماء بنت راشد الرويشد 

‏رئيسة مجلس إدارة شركة آسية الوقفية