حب الوطن



 

جملةٌ لطالما تردّدَتْ على مسمعي كثيرًا، اعتقدتُ بعد خروجي من سلك التعليم وتقاعدي أنني لن أسمعها، لأجدَ أنّ المطالبة بها أشدّ وأقوى.

هل أولادُنا بحاجة إلى منهج في التربية الوطنيّة؟

هل نحن بحاجة لتعليمهم حبَّ الوطن؟

وهل حبُّ الوطن يحتاج إلى تعليم؟

سؤالٌ لطالما سألتُ نفسي عنه كلما أتى ذِكْرُ الوطن والمواطنة،

وحقًا لا أجدُ له جوابًا،

هل نحتاج مَنْ يعلّمُنا حبَّ الوطن؟!

وهل هذا الحبُّ يُعلَّمُ !!!!

ومَنْ سيعلّمُنا هذا الحبَّ؟

معلمٌ وافدٌ !!! أم أحد أبناء هذا الوطن؟

فإنْ كان كذلك، فكيف عرف ما لم أعرفْ عن حبّ الوطن؟ ومَنْ علَّمَه؟

وما هو حال مَنْ لم يُعلَّمْ حبَّ الوطن في المدارس؟

ما هو حال أمّي وأبي؟ لم يعلّمْهم أحدٌ حبَّ الوطن، ولكني أجدهما يتنفّسان هذا الحبَّ ويعيشانه.

لم أشعرْ يومًا أنّ هناك انفصالاً بينهما …ولم أشعر أنهما بحاجة ليعلّمهم أحدٌ هذا الحبَّ؛ لأنه يسري في دمائهما.

لذلك كان تعجُّبي ممّن يردّد: (لا بدَّ من تعليم أبنائنا حبَّ الوطن).

وفي كلّ مرة أسمعُ هذه العبارة يستنكر قلبي ذلك مردّدًا:

أيُعلَّمُ هذا الحبُّ؟

أم إنه يسكن أعماقَ قلوبنا؟

ويتغلغل في عروقنا فيصبح جزءاً لا يتجزأ منّا؟

كالدماء، كالنفَس، كالهواء..

لا يمكن أن تعيش بدونه..

ولكننا اعتدنا النعمة.

الوطنُ أمٌّ، فهل هناك أحدٌ بلا أمٍّ، ومَنْ علَّمَ الطفلَ حُبَّ الأمّ؟

إنّه الحبّ الفطريّ الذي يولد معنا ونعيش معه ونكون ناقصين بدونه،

الوطنُ حماية، حبّ، انتماءٌ، أمنٌ، استقرارٌ، فخر ..

الوطنُ كلّ المعاني الجميلة..

الوطن: كنْ أو لا تكُنْ ..

لا خيار لك في حبّه ..

بل هو التزامٌ..

لا يحتاج منّا إلى أن نتعلّمه، بل نحتاج أنْ نتعلّم كيف نعبرعن حبّه،

نعم، هذا ما يجب أنْ نتعلّمه.

الوطن بيتٌ، فلنتعلّمْ كيف نحافظ على أركانه (الدّين، الأمن، ثرواته، حدوده).

الوطن انتماءٌ وهويّةٌ (نفخر بماضينا وحاضرنا، ونسعى بجدٍّ لمستقبلٍ مُشرقٍ فيه).

الوطن عزّة ومكانةٌ، فجانبك مُهاب،ٌ وركنك عزيزٌ وأنتَ فيه.

الوطن أكبرُ من الحروف فلا يُعرفُ..

وأكبرُ من المشاعر فلا يُوصفُ..

الوطن روحٌ، وبدون الروح لا وجود لك،

جسدٌ خاوٍ تتقاذفُه الأسفارُ من بلدٍ إلى بلدٍ، كلٌ يغلق حدودَه في وجهك.

مع اقتراب يومك يا وطني، وإن كنتُ أعيشه كلّ يوم، فإنّ علامات حبّك لا تخفى، والمحبّ تخونه نظراته وخلجات قلبه عندما يسترعي انتباهه نطق هذه الأحرف: (س، ع، و، د، ي، ة) مجتمعةً، تلفت انتباهه الراية الخضراء وإنْ لم يكنْ علَمَكَ يا وطن، يتخيّل أعظمَ كلمة مطرّزة بشموخ في وسطه، ثم يسترجع باسمًا وهو يهمس: (علَمُنا أجملُ).

تلتفت بلهفة وأنت تسير خارج وطنك لسماعك لهجة تعرفها تمامًا، إنه ابن الوطن، فتشعر بالانتماء له مهما اختلفت اللّهجة بينكما.

ترى الجميل فتتمنى أنّه في بلدك، ثم ترى مظاهر الانسلاخ من الآدميّة فتحمد الله أنّك في السعودية، مردّدًا:

الحمد لله على النعمة التي نسأل الله أن تدوم وتدوم وتدوم حتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها.

هذه بعض مشاعر الحبّ، فهل أنت محبّ؟

نحن بحاجة لنُسمِعَ الوطنَ معانيَ الحبّ ومفرداته بأفعالنا.

الوطنُ يريد منا أنْ نترجم الحبَّ أفعالاً ونجاحات وسلوكًا حضاريًّا في مرافقه العامّة، ومحافظةً على مقدّراته،

الوطنُ محبوبٌ، والمحبوبُ غيورٌ لا يرضى أنْ يكون سواه في قلبك.

 

د.عواطف العبيد

عضو اللجنة الاستشارية بشركة آسية الوقفية